على عادة كل زمان، فإنه لا يمر بوطن إلا و سجل على صفحاته وبين طياته مشاوير فنانين، منهم من يبقى مجهولا ومنهم من يصبح معلوما، كما ضمنهم من يكتنز أحلاما تقفز من نظراته الواثقة الموهوبة، و المتمكنة من أدوات اشتغالها إلى درجة تحس معها بأن في داخله طاقة بركان تنتظر الانفجار.
مغني الراب Elglizy، واحد من هذه الأيقونات التي ليست مثالا لهذا الصنف التعبيري فحسب، و لا تجسيدا حيا للفن المعاصر فقط، و لا مجرد مبدع احترافي يحسن الجدية في اختيار الكلمة و اللحن. بل هو مجموعة سلاسل خلاقة بسبحة النمط الأداء الشبابي، لذلك لم يكن غريبا إيمانه القوي بأن ما منح من موهبة ربانية و اجتهاد شخصي لم يوجدا ليستمتع بهما وحده، و إنما ليتقاسمه معه جموع محبي الحس الراقي، وقبلهم عشق الوطن.
هذا العشق الذي يجد تبريره، وعلى عكس ما يعتقده البعض، في أغان تحاكي الحالات البئيسة التي تعيشها شريحة مهمة من مواطنينا، طالما أن الغاية تظل السمو بتلك الأوضاع إلى ما هو أفضل، و من ثمة الدفع بركب البلاد نحو معترك الأمم المتقدمة، مع قطع الطريق أمام المتربصين ممن تشكل لهم أية خطوة نمو غصة في الحلق.
كل هذه الغيرة لـ Elglizy على موطن النشأة وبني جلدته، تصدح من أوتار حنجرة شاء القدر أن تطلق صرختها الأولى في أحد البيوت المتوسطة لمدينة تازة، نهاية تسعينيات القرن الماضي، على حجر أم كانت و ما زالت السند الداعم له، و مصدر شحنات التشجيع الذي لا ينضب. وإن كان أقوى إكسير منها تلخصه عبارة: “الله يرضي عليك أولدي… كمل ما اتوقفش”، إذ وعند التقاطه لكلماتها تلك يشعر وكأنه يملك رضى الكون وما يحتويه.
و طبعا، لم يكن لهذه الأرض الخصبة من الدعوات إلا أن تبوأ صاحبتها أولوية سماع كل مستجد جادت به قريحة فناننا، و كذا اعتبار رأيها أصدق “تيرمومتر” لقياس مدى نجاح الأغنية في اكتساب أحقية دخول بيوت المغاربة، أو إشهار حكم “الفيتو” في طريق انتشارها.
و كما هو حال جميع الفنانين في مختلف المجالات، كان لـ Elglizy مثل أعلى في مستهل المسار. هَم بالأساس صانعي الأغنية اللاتينية و في طليعتهم OZUNA. إذ من هناك ابتدأت حكاية الاستلهام، لكن مع الحرص على رسم معالم خاصة بكارزميته. و هذا ما حصل عبر مجموعة إصدارات حين يسمعها المتلقي يدري دون إخبار بأنها للفنان GLIZY تبعا لما تخلقه من زلزال يهز أركان مشاعر عشاق “الراب” وكأنهم لم يستسيغوه من قبل. و منها “VIDA PUTA” التي تدعو لسيادة العدالة الاجتماعية مقابل محا ربة كل ما ينعش التفاوت الطبقي الصارخ، و ما ينجم عنه من ظواهر ترسيخ جدلية “إغناء الغني و إفقار الفقير”. هذا في الحين الذي تضع أغنية “MI AMIGOS” موضوع غدر المقربين و خيانة الأصدقاء على مشرحة التحليل، و من منطلق انعكاس هذا السلوك، إن مباشرة أو من خلال التداعيات، على العلاقات المجتمعية و ما تفرضه من ثقة تلقائية كأساس لا يمكن بدونه الحديث عن طفرة في تحصين الجبهة الداخلية. أما أغنية “YA LILE”، فاتخذت من أحلام الطفولة المغتصبة جسرا لبلوغ فكرة تحطمها على صخرة الواقع المعاش.
هذا، و في الوقت الذي يقر فيه Elglizy بتحفظه على ما يروج بين بعض الفنانين من “كلاشات”، و امتعاضه من مضامينها كمجهود ضائع كان بالأحرى أن يوجه نحو ما يشغل الرأي العام من إرهاصات تلمس حياتهم اليومية، يعترف ضيف “الحدث تيفي” بالقفزات الملحوظة التي يشهدها الوسط الفني ككل، بتألق مجموعة شباب طموح من جهة، وتحسن تقنيات التسجيل من إخراج و جودة الصوت على صعيد جهة أخرى.
و لأن الرغبة أكيدة في أن يعم التطور كافة معاقل الفن بالمدن المغربية، و بما أن تازة واحدة من هذه المدن، فإن Elglizy لا يتردد في إبداء متمنياته لأن تحتضن حاضرته استوديوهات تساير التطور التكنولوجي الحالي، و تليق أيضا بزخم ماضي و حاضر فن المدينة. فضلا عن منح الأخيرة الإشعاع الدعائي بتنظيم مهرجانات و سهرات يجد فيها شباب المنطقة المتنفس لتفريغ طاقات تبحث لها عن مخرج.
الشاب Elglizy إذن، الذي لا تخلو طريق تقدمه من مصاعب يقاسيها معظم القادمين بثبات، و الحامل في رصيده تجارب سنبن من العطاء المغني لخزينة “الراب” المغربي، يعلن تحديا لا رجعة فيه، قوامه تسلق مراحل لاحقة على سلم التفوق، خاصة و أن مصعد التوهج يتعلق بفن يعشقه حد الهوس. و حتما، لا يمكن لهذا الميول الجارف إلا أن ينجب وليدا شرعيا اسمه النجاح، تؤكد كل الإنجازات “AL ELGLIZYA” على أنه ما زال إلى حدود اللحظة ينمو و يترعرع في أفق الوصول إلى بساط العالمية.